منتدى همسة ابداع
منتدى همسة ابداع
منتدى همسة ابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى همسة ابداع

روعة الابداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ياهلا ومرحب شباب وصبايا منورين كل المنتدى وبفضل جهودكم نحن في هذه المرتبة من العلوو

 

 قصة النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (ع) ( القسم الثاني )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الحضري
انـتا يـانـشـيــط
انـتا يـانـشـيــط
الحضري


ذكر عدد المساهمات : 237
نقاط : 826
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/12/2009
الموقع : https://ahlaasdqa-abomosa.yoo7.com
العمل/الترفيه : حارس مرمى
المزاج طبيعي

قصة النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (ع) ( القسم الثاني ) Empty
مُساهمةموضوع: قصة النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (ع) ( القسم الثاني )   قصة النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (ع) ( القسم الثاني ) Emptyالجمعة يناير 22, 2010 5:51 am

وعلى كل حال، فقد ألقي إبراهيم في النار وسط زغاريد الناس وسرورهم وصراخهم، وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانين أن محطم الأصنام قد فني إلى الأبد وأصبح ترابا ورمادا.

لكن الله الذي بيده كل شيء حتى النار لا تحرق إلا بإذنه، شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص سالما من لهب تلك النار الموقدة ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل إفتخاراته، وكما يقول القرآن الكريم: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.

والمعروف أن النار قد بردت برجا شديدا إصطكت أسنان إبراهيم منه، وحسب قول بعض: إن الله سبحانه لو لم يقل: سلاما، لمات إبراهيم من شدة البرد. وكذلك نقرأ في رواية مشهورة أن نار النمرود قد تحولت إلى حديقة غناء. حتى قال بعض إن تلك اللحظات التي كان فيها إبراهيم في النار، كانت أهدأ وأفضل وأجمل أيام عمره.

لا يخفى أن الوضع قد إختلف تماما ببقاء إبراهيم سالما، وخمدت أصوات الفرح، وبقيت الأفواه فاغرة من العجب، وكان جماعة يتهامسون علنا فيما بينهم حول هذه الظاهرة العجيبة، وأصبحت الألسن تلهج بعظمة إبراهيم وربه، وأحدق الخطر بوجود نمرود وحكومته، غير أن العناد ظل مانعا من قبول الحق، وإن كان أصحاب القلوب الواعية قد إستفادوا من هذه الواقعة، وزاد إيمانهم مع قلتهم.

الفتى الشجاع:

إن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن عمره يتجاوز ست عشرة سنة وذكر البعض أن عمره عند ذاك كان (26) سنة.

وعلى كل حال فإنه كان في عمر الشباب، ومع إنه لم يكن معه أحد يعينه، فإنه رمى بسهم المواجهة في وجه طاغوت زمانه الكبير الذي كان حاميا للطواغيت الآخرين، وهب بمفرده لمقارعة الجهل والخرافات والشرك، واستهزأ بكل مقدسات المجتمع الخيالية الواهية، ولم يدع للخوف من غضب وإنتقام الناس أدنى سبيل إلى نفسه، لأن قلبه كان مغمورا بعشق الله، وكان إعتماده وتوكله على الذات المقدسة فحسب.

أجل.. هكذا هو الإيمان، أينما وجد وجدت الشهامة، وكل من حل فيه فلا يمكن أن يقهر!

إبراهيم ونمرود:

عندما ألقوا إبراهيم في النار، كان نمرود على يقين من أن إبراهيم قد أصبح رمادا، أما عندما دقق النظر ووجده حيا، قال لمن حوله: إني أرى إبراهيم حيا، لعلي يخيل إلي! فصعد على مرتفع ورأى حاله جيدا فصاح نمرود: يا إبراهيم إن ربك عظيم، وقد أوجد بقدرته حائلا بنك وبين النار! ولذلك فإني أريد أن أقدم قربانا له، وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك، فأعاد إبراهيم القول بأن أي قربان – وأي عمل – لا يتقبل منك إلا أن تؤمن أولا. غير إن نمرود قال في الجواب: فسيذهب سلطاني وملكي سدى إذن، وليس بإمكاني أن أتحمل ذلك!

على كل حال، فإن هذه الحوادث صارت سببا لإيمان جماعة من ذوي القلوب الواعية برب إبراهيم (ع)، أو يزدادوا إيمانا، وربما كان هذا هو السبب في عدم إظهار نمرود رد فعل قوي ضد إبراهيم، بل إكتفى بإبعاده عن أرض بابل.

محاجة إبراهيم مع طاغوت زمانه:

القرآن لا يذكر اسم هذا الشخص الذي حاج إبراهيم، ويشير إليه بقوله: ﴿أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾ أي أنه لغروره بحكمه قام بمحاججة إبراهيم.

نقل عن أمير المؤمنين علي (ع) رواية تذكر إنه "النمرود بن كنعان" وكتب التاريخ تذكر هذا الاسم أيضا.

على الرغم من عدم تعرض القرآن لذكر وقت هذا الحوار، فالقرائن تدل على إنه وقع بعد قيام إبراهيم بتحطيم الأصنام ونجاته من النار، إذ من الواضح أنه قبل إلقائه في النار لم تكن لتجري أمثال هذه المجادلات، لأن عبدة الأصنام ما كانوا يسمحون له بالكلام وهم يعتبرونه مجرما ينبغي أن ينال بأسرع وقت جزاءه على فعلته الشنيعة بتحطيم آلهتهم المقدسة!

على كل حال، إن ذلك الجبار تملكه الغرور والكبر وأسكره الملك، سأل إبراهيم عن ربه: من هو الإله الذي تدعوني إليه؟ ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.

الواقع إن أعظم قضية في العالم هي قضية الخلقة، يعني قانون الحياة والموت الذي هو أوضح آية على علم الله وقدرته.

ولكن نمرود الجبار إتخذ طريق المجادلة والسفسطة وتزييف الحقائق لإغفال الناس والملأ من حوله فقال: إن قانون الحياة والموت بيدي ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.

ومن أجل إثبات هذه الدعوى الكاذبة استخدم حيلة حيث أمر بإحضار سجينين أطلق سراح أحدهما وأمر بقتل الآخر، ثم قال لإبراهيم والحضار: أرأيتم كيف أحيي وأميت.

ولكن إبراهيم قدم دليلا آخر لإحباط هذه الحيلة وكشف زيف المدعي بحيث لا يمكنه بعد لك من إغفال الناس فقال: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ وهنا ألقم هذا المعاند حجرا ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

وبهذا اسقط في يدي العدو المغرور، وعجز عن الكلام أمام منطق إبراهيم الحي، وهذا أفضل طريق لإسكات كل عدو عنيد.

يستدل من القرآن بصورة واضحة أن جبار ذلك الزمان كان يدعي الأولهية، لا ليعبدوه فحسب، بل ليؤمنوا به خالقا لهذا العالم أيضا، أي إنه كان يرى نفسه معبودا وخالقا.

هجرة إبراهيم من أرض الوثنيين:

لقد هزت قصة حريق إبراهيم (ع) ونجاته الإعجازية من هذه المرحلة الخطيرة أركان حكومة نمرود، بحيث فقد نمرود معنوياته تماما، لأنه لم يعد قادرا على أن يظهر إبراهيم بمظهر الشاب المنافق والمثير للمشاكل. فقد عرف بين الناس بأنه مرشد إلهي وبطل شجاع يقدر على مواجهة جبار ظالم – بكل إمكانياته وقدرته – بمفرده، وأنه لو بقي في تلك المدينة والبلاد على هذا الحال، ومع ذلك اللسان المتكلم والمنطق القوي، والشهامة والشجاعة التي لا نظير لها، فمن المحتم أنه سيكون خطرا على تلك الحكومة الجبارة الغاشمة، فلابد أن يخرج من تلك الأرض على أي حال.

ومن جهة أخرى، فإن إبراهيم كان قد أدى رسالته في الواقع – في تلك البلاد، ووجه ضربات ماحقة إلى هيكل وبنيان الشرك، وبذر بذور الإيمان والوعي في تلك البلاد، وبقيت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدي ثمارها، وتقلع جذور الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها.

فلا بد من الهجرة إلى موطن آخر لإيجاد أرضية لرسالته هناك، ولذلك صمم على الهجرة إلى الشام بصحبة لوط – وكان ابن أخ إبراهيم – وزوجته سارة، وربما كان معهم جمع قليل من المؤمنين، كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾.

وبالرغم من أن اسم هذه الأرض لم يرد صريحا في القرآن، إلا أنه بملاحظة الآية الأولى من سورة الاسراء، يتضح أن هذه الأرض هي أرض الشام ذاتها، التي كانت من الناحية الظاهرية أرضا غنية مباركة خضراء، ومن الجهة المعنوية كانت معهدا لرعاية الأنبياء.

وقد وردت بحوث مختلفة في الروايات في أن إبراهيم (ع) هاجر تلقائيا، أم أبعدته سلطات نمرود، أم أن الإثتيت إشتركا، والجمع بينهما جميعا هو أن نمرود ومن حوله كانوا يرون في إبراهيم خطرا كبيرا عليهم، فأجبروه على الخروج نت تلك البلاد، هذا من جهه، ومن جهه آخرى، فإن إبراهيم كان يرى رسالته ومهمته في تلك الأرض قد إنتهت، وكان يبحث عن منطقة آخرى للعمل على توسيع دعوة التوحيد فيها، خاصة وأن البقاء في بابل يشكل خطرا على حياتة فتبقى دعوته العالمية ناقصة.

إن نمرود أمر أن ينفوا إبراهيم من بلادة، وأن يمنعوة من الخروج بماشيته وماله، فحاجهم إبراهيم عند ذلك فقال: إن أخذتم ماشيتي ومالي فحقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم، فاختصموا إلى قاضي نمرود، وقضى على إبراهيم أن يسلم إليهم جميع ما أصاب بلادهم، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم ما ذهب من عمره في بلادهم، فأخبر بذلك نمرود، فأمرهم أن يخلوا سبيلة وسبيل ماشيته وماله، وأن يخرجوه، وقال: (إنه إن بقى في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم).

كيف تحيي الموتى؟

مر إبراهيم (ع) يوما على ساحل البحر فرأى جيفة مرمية على الساحل نصفها في الماء ونصفها على الأرض تأكل منها الطيور والحيوانات البر والبحر من الجانبين وتتنازع أحيانا فيما بينها على الجيفة، عند رؤية إبراهيم (ع) هذا المشهد خطرت في ذهته مسألة يود الجميع لو عرفوا جوابها بالتفصيل، وهي كيفية عودة الأموات إلى الحياة مرة أخرى، ففكر وتأمل في نفسه أنه لو حصل مثل هذا الحادث لبدن الإنسان وأصبح طعاما لحيوانات كثيرة، وكان بالتالي جزء من بدن تلك الحيوانات، فكيف يحصل البعث ويعود ذلك الجسد الإنساني نفسه إلى الحياة؟ فخاطب إبراهيم (ع) ربه وقال: رب أرني كيف تحيي الموتى.

فأجابه الله تعالى: أولم تؤمن بالمعاد؟ فقال (ع): بلى ولكن ليطمئن قلبي.

فأمره الله أن يأخذ أربعة طيور ويذبحها ويخلط لحمها، ثم يقسمها عدة أقسام ويضع على كل جبل قسما منها، ثم يدعو الطيور إليه، وعندئذ سوف يرى مشهد يوم البعث، فامتثل إبراهيم للأمر واستولت عليه الدهشة لرؤيته أجزاء الطيور تتجمع وتأتيه من مختلف النقاط وقد عادت إليها الحياة.

يقول القرآن الكريم في هذا المجال: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

نكات:

1- لا شك أن الطيور الأربعة كانت من أربعة أنواع مختلفة، وإلا فإن هدف إبراهيم (ع) من عودة كل جزء إلى أصله لا يتحقق. وفي بعض الروايات أن هذه الطيور كانت طاووسا وديكا وحمامة وغرابا، فكان الاختلاف بيتها كبيرا، ويرى بعض أنها مظهر للصفات والخصال المختلفة في البشر. فالطاووس يمثل العجب والخيلاء والتكبر، والديك يمثل الرغبات الجنسية الجديدة، والحمامة تمثل اللهو واللعب، والغراب يمثل الآمال والمطامح البعيدة.

2- لم يرد في القرآن ذكر عدد الجبال التي وضع عليها إبراهيم أجزاء الطيور، ولكن الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيت (ع) تقول أنها عشرة.

3- هل وقعت عندما كان إبراهيم في بابل، أم بعد نزوله بالشام؟ يظهر أن ذلك قد حدث في الشام، لأن منطقة بابل خالية من الجبال.

الأمر بانتقال اسماعيل وهاجر:

قد مرت أعوام طوال في لهفة وإنتظار للولد الصالح، وكان يقول: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. وأخيرا استجاب له ربه، فوهبه إسماعيل أولا، ومن بعد إسحاق، وكان كل منهما نبيا عظيم الشخصية.

وقد أدى حسد سارة زوجته الأولى لهاجر التي كانت جارية وإختارها زوجة له وولدت له إسماعيل.. أدى إلى أن يأتي بها من فلسطين بأمر الله إلى مكة ويتركها وإبنها بين الصحاري والجبال واليابسة، بدون مأوى ولا قطرة ماء، ويعود ثانية إلى فلسطين.

إن ظهور عين زمزم ومجيء قبيلة جرهم والسماح لها بالسكن كل ذلك أدى لأن تعمر هذه الأرض.

ومن الطريف أن يقول بعض المؤرخين: حينما وضع إبراهيم زوجته هاجر وإبنه الرضيع إسماعيل في مكة وأراد الرجوع، نادته: يا إبراهيم، من أمرك أن تضعنا في أرض قاحلة لا نبات فيها ولا ماء ولا إنسان؟ فأجابها بجملة قصيرة: ربي أمرني بذلك، قالت: ما دام كذلك فإن الله لا يتركنا.

على اي حال، امتثل إبراهيم أمر ربه، وذهب بهما إلى صحراء مكة وأسكنهما في تلك الأرض، وهم بالرجوع، فضجت زوجته بالبكاء، إذ كيف تستطيع أن تعيش امرأة وحيدة مع طفل رضيع في مثل هذه الأرض؟!

بكاء هاجر ومعه بكاء الطفل الرضيع هز إبراهيم من الأعماق، لكنه لم يود على أن ناجى ربه قائلا: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾، ثم ودع زوجه وطفله بحزن وألم عميقين.

لم يمض وقت طويل حتى نفذ طعام الأم وماؤها، وجف لبنها. بكاء الطفل أضرم في نفس الأم نارا، ودفعها لأن تبحث بقلق واضطراب عن الماء. اتجهت أولا إلى جبل "الصفاء" فلم تجد للماء أثرا، لفت نظرها بريق ماء عند جبل "المروة" فأسرعت إليه فوجدته سرابا، ثم رأت عند المروة بريقا لدى الصفاء أسرعت إليه فما وجدت شيئا، وهكذا جالت سبع مرات بين الصفاء و المروة بحثا عن الماء. وفي النهاية وبعد أن أشرف الطفل على الموت، انفجرت عند رجله فجأة عين زمزم، فشرب الطفل وأمه ونجيا من الموت المحقق.

الماء، رمز الحياة، وانفجار العين جر الطيور من الآفاق نحو هذه الأرض، والقوافل شاهدت حركة الطيور، فاتجهت هي أيضا نحو الماء وببركة هذه العائلة تحولت أرض مكة إلى مركز حضاري عظيم.

ويع جوار الكعبة حجر إسماعيل حيث مدفن تلك المرأة وابنها، وعلى الحاج أن يضمه إلى البيت في الطواف، أي يجب على الحجاج أن يطوفوا خارج هذا الحجر وكأنه جزء من الكعبة.

إسماعيل في المذبح:

إن عمر إسماعيل كان"13" عاما حينما رأى إبراهيم ذلك المنام العجيب المحير، والذي يدل على بدء امتحان عسير آخر لهذا النبي ذي الشأن العظيم، إذ رأى في المنام أن الله يأمره بذبح أبنه الوحيد وقطع رأسة. فنهض من نومه مرعوبا، لأنه يعلم أن ما يراه الأنبياء في نومهم حقيقة وليس من وساوس الشياطين، وقد تكررت رؤيته ليلتين اخريين، فكان هذا بمثابة تأكيد على ضرورة تنفيذ هذا الأمر فورا.

وقيل: أن أول رؤيا له كانت في ليلة التروية، أي ليلة الثامن من شهر ذي الحجة، كما شاهد نفس الرؤيا في ليلة عرفة، وليلة عيد الأضحى، وبهذا لم يبق عنده أدنى شك في أن هذا الأمر هو من الله سبحانه وتعالى.

امتحان شاق آخر يمر على إبراهيم الآن، إبراهيم الذي نجح في كافة الامتحانات الصعبة السابقة وخرج منها مرفوع الرأس، الامتحان الذي يفرض عليه وضع عواطف الأبوة جانبا والامتثال لأوامر الله بذبح ابنه الذي كان ينتظره لفترة طويلة، وهو الآن غلام يافع قوي.

ولكن قبل كل شيء، فكر إبراهيم (ع) في إعداد إبنه لهذا الأمر، حيث قال ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾.

الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده، والذي تعلم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان في مدرسة والده، رحب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس، وبصراحة واضحة قال لوالده: ﴿تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾.

ولا تفكر في أمري فإنك ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾.

فما أعظم كلمات الأب والإبن وكم تخفف في بواطنها من الأمور الدقيقة والمعاني العميقة؟!

فمن جهة، الأب يصارح ولده البالغ من العمر "13" عاما بقضية الذبح، ويطلب منه إعطاء رأيه فيها، حيث جعل هنا شخصية مستقلة حرة الإرادة.

فإبراهيم لم يقصد أبدا خداع ولده، ودعوته إلى ساحة الامتحان العسير بصورة عمياء، بل رغب بإشراكه في هذا الجهاد الكبير ضد النفس، وجعله يستشعر حلاوة لذة التسليم لأمر الله والرضا به، كما استشعر حلاوتها هو.

ومن جهة أخرى، عمد الإبن إلى ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به، إذ لم يقل له:إذبحني، وإنما قال له: إفعل ما أنت مأمور به، فإنني مستسلم لهذا الأمر، وخاصة إنه خاطب أباه بكلمة ﴿يَا أَبَتِ﴾ كي يوضح إن هذه القضية لا تقلل من عاطفة الإبن تجاه أبيه ولو بمقدار ذرة، وإن أمر الله هو فوق كل شيء.

ومن جهة ثالثة أظهر أدبا رفيعا تجاه الله سبحانه وتعالى، وإن لا يعتمد أحد على إيمانه وإرادته وتصميمه فقط، ونما يعتمد على إرادة ومشيئة الله، وبعبارة أخرى: أن يطلب توفيق الإستعانة والإستقامة من الله.

وبهذا الشكل يجتاز الأب وإبنه المرحلة الأولى من هذا الإمتحان الصعب بإنتصار كامل.

وسوسة الشيطان:

فقد عمد الشيطان إلى تكريس كل طاقته لعمل شيء ما يحول دون خروج إبراهيم منتصرا من الإمتحان.

فأحيانا كان يذهب إلى زوجته "هاجر" ويقول لها: أتعلمين بماذا يفكر إبراهيم؟ إنه يفكر بذبح ولد إسماعيل اليوم!

فكانت تجيبه هاجر: إذهب ولا تتحدث بأمر محال، فإنه أرحم من أن يقتل ولده فهل يمكن العثور في هذه الدنيا على إنسان يذبح ولده بيده؟

الشيطان هنا يواصل وساوسه، ويقول: إنه يزعم بأن الله أمره بذلك.

فتجيبه هاجر: إذا كان الله قد أمره بذلك فعليه أن يطيع أوامر الله، وليس هناك طريق آخر سوى الرضا والتسليم لأمر الله.

وأحيانا كان يذهب صوب "الولد" ليوسوس في قلبه لكنه فشل أيضا إذ لم يحصل على أي نتيجة لأن إسماعيل كان كله قطعة من الرضا والتسليم لذلك الأمر.

وأخيرا إتجه نحو الأب، وقال له: يا إبراهيم إن المنام الذي رأيته هو منام شيطاني! لا تطع الشيطان!

فعرفه إبراهيم الذي كان يسطع بنور الإيمان والنبوة، وصاح به: إبتعد من هنا يا عدو الله.

فورد في حديث آخر إن إبراهيم جاء في البداية إلى "المشعر الحرام" ليذبح إبنه هناك، ولكن الشيطان تبعه، فترك المحل وذهب إلى مكان آخر "الجمرة الأولى" فتبعه الشيطان أيضا، فرماه إبراهيم بسبع قطع من الحجارة، وعند وصوله إلى "الجمرة الثانية" شاهد الشيطان أمامه أيضا فرماه بسبع قطع أخرى من الحجارة، وحالما وصل إلى جمرة العقبة وشاهد الشيطان ثالثة رماه بسبع أخرى، وبهذا جعل الشيطان ييأس منه إلى الأبد.

أبلغ سلامي إلى أمي:

ماذا يدور في هذا الوسط؟ القرآن الكريم لم يفصل مجريات الحدث، وركز فقط على النقاط الأساسية في هذه القصة العجيبة، كتب البعض: إن إسماعيل ساعد والده في تنفيذ هذا الأمر الإلهي، وعمل على تقليل ألم وحزن والدته، فعندما أخذه والده للذبح وسط الجبال الجرداء والحارقة في أرض "منى" قال إسماعيل لوالده:

يا أبت، أحكم من شد الحبل كي لا تتحرك يدي ورجلي أثناء تنفيذك الأمر الإلهي، أخاف أن يقلل ذلك من مقدار الجزاء الذي سأناله.

والدي العزيز اشحذ السكين جيدا، وامرره بسرعة على رقبتي كي يكون تحمل ألم الذبح سهلا بالنسبة لي ولك.

والدي قبل ذبحي اخلع ثوبي من على جسدي كي لا يتلوث بالدم، لأني أخاف أن تراه والدتي وتفقد عنان صبرها.

ثم أضاف: أوصل سلامي إلى والدتي، وإن لم يكن هناك مانع أوصل ثوني إليها كي يسلي خواطرها ويهدىء من آلامها، لأنها ستشم رائحة إبنها منه، وكلما أحست بضيق القلب، تضعة على صدرها ليخفف الحرق الموجود في أعماقها.

دموع الوداع:

قربت اللحظات الحساسة، فلأمر الإلهي يجب أن ينفذ، فعندما رأى إبراهيم (ع) درجة إستسلام ولده للأمر الإلهي إحتضتة وقبل وجهه، وفي هذه اللحظة بكى الإثنان، البكاء الذي يبرز العواطف الإنسانية ومقدمة الشوق للقاء الله.

القرآن الكريم يوضح هذا الأمرفي جملة قصيرة ولكنها مليئة بالمعاني، فيقول تعالى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾.

مرة آخرى تطرق القرآن هنا بإختصار، كي يسمح للقاريء متابعة هذه القصة بإنشداد كبير.

قال البعض: إن المراد من عبارة ﴿تَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ هو أنه وضع جبيت ولده – طبقا لإقتراح – على الأرض، حتى لا تقع عيناه على وجه أبنه فتهيج عنده عاطفة الابوة وتمنعه من تنفيذ الأمر الإلهي.

على أية حال كب إبراهيم (ع) إبنه على جبينه، ومرر السكين بسرعة وقوة على رقبة إبنه، وروحه تعيش حال الهيجان، وحب الله كان الشيء الوحيد الذي يدفعه إلى تنفيذ الأمر ومن دون أي تردد.

إلا أن السكين الحادة لم تترك أدنى أثر على رقبة إسماعيل اللطيفة. وهنا غرق إبراهيم في حيرته، ومرر السكين مرة آخرى على رقبة ولده، ولكنها لم تؤثر بشيء كالمرة السابقة.

نعم، فإبراهيم الخليل يقول للسكين: إذبحي، ولكن الله الجليل يعطي أوامره للسكين أن لا تذبحي، والسكين لاتستجيب سوى لأوامر الباري عز وجل.

وهنا ينهي القرآن كل حالات الإنتظار وبعبارة قصيرة مليءة بالمعاني العميقة ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ / قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.

إذ نمنحهم توفيق النجاح في الإمتحان، ونحفظ لهم ولدهم العزيز، نعم فالذي يستسلم تماما وبكل وجوده للأمر الإلهي ويصل إلى أقصى درجات الإحسان، لايمكن مكافأته بأقل من هذا. ثم يضيف القرآن الكريم ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ﴾.

عملية ذبح الإبن البار المطيع على يد أبيه، لا تعد عملية سهلة وبسيطة بالنسبة لأب إنتظر فترة طويلة كي يرزقه الله بهذا الإبن، فكيف يمكن إماتة قلبه تجاه ولده؟ والأكثر من ذلك إستسلامه ورضاه المطلق – من دون أي إزعاج – لتنفيذ هذا الأمر، وتنفيذ كافة مراحل العملية من بدايتها إلى نهايتها، بصورة لا يغفل فيها عن أي شيء من الإستعداد لعملية الذبح نفسيا وعمليا.

والذي يثير العجب أكثر هو التسليم المطلق لهذا الغلام أمام أمر الله، إذ أستقبل الذبح بصدر مفتوح وإطمئنان يحفه اللطف الإلهي، واستسلام في مقابل هذا الأمر.

تكبير جبرئيل:

إن جبرئيل هتف "الله أكبر" " الله أكبر" أثناء عملية الذبح لتعجبه.

فيما هتف إسماعيل "لا إله إلا الله، والله أكبر".

ثم قال إبراهيم " الله أكبر ولله الحمد".

وهذه العبارات تشبه التكبيرات التي نرددها في يوم عيد الأضحى.

وكما هو معروف فإن من الأعمال الواردة في الروايات الإسلامية بشأن عيد الأضحى، هي التكبيرات الخاصة التي يرددها المسلمون بعد الصلاة، سواء كانوا من المشاركين في مراسيم الحج بمنى، أو ممن لم يشارك فيها من المسلمين في سائر بقاع الأرض.

وكيفية هذه التكبيرات هي: "الله أكبر،الله أكبر، لاإله إلاالله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا". فعندما نقارن بين هذا الأمر والحديث الذي ذكرناه سابقا، تتضح حقيقة هذه التكبيرات، وهي أنها مجموع تكبيرات جبرئيل وإسماعيل ووالده إبراهيم، وشيء أضيف إليه.

وبعبارة أخرى فإن هذه العبارات تحيي في الأذهان خاطرة إنتصار إبراهيم وإبنه إسماعيل في الإمتحان الكبير، وتعطي العبر لكل المسلمين، سواء كانوا في منى أوفي غيرها.

ذبح عظيم:

ولكي لا يبقى برنامج إبراهيم ناقصا، وتتحقق أمنية إبراهيم في تقديم القربان لله، بعث الله كبشا كبيرا إلى إبراهيم ليذبحه بدلا عن إبنه إسماعيل، ولتصير سنة للأجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج وتأتي إلى أرض "منى" ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾.

وإحدى دلائل عظمة الذبح، هو إتساع نطاق هذه العملية سنة بعد سنة بمرور الزمن، وحاليا يذبح كل عام أكثر من مليون اضحية تيمنا بذلك الذبح العظيم وإحياء لذلك العمل العظيم.

وبشأن كيفية وصول الكبش العظيم إلى إبراهيم (ع)، أعرب الكثير عن اعتقادهم في أن جبرئيل أنزله، فيما قال البعض الآخر: إنه هبط عليه من أطراف جبال "منى"، ومهما كان فإن وصوله إلى إبراهيم كان بأمر من الله.

النجاح الذي حققه إبراهيم (ع) في الإمتحان الصعب، لم يمدحه الله فقط ذلك اليوم، وإنما جعله خالدا على مدى الأجيال ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾.

إذ غدا إبراهيم (ع) "أسوة حسنة" لكل الأجيال، و"قدوة" لكل الطاهرين، وأضحت أعماله سنة في الحج،وستبقى خالدة حتى تقوم القيامة، إنه أبو الأنبياء الكبار، وإنه أبو هذه الأمة الإسلامية ورسولها الأكرم محمد بن عبد الله (ص).

ولما إمتاز به إبراهيم (ع) من صفات حميدة، خصه الباري عز وجل بالسلام ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.

نعم، إنا كذلك نجزي ونثيب المحسنين ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([1]42) جزاء يعادل عظمة الدنيا، جزاء خالد على مدى الزمان، جزاء يجعل من إبراهيم أهلا لسلام الله عزوجل عليه.

من هو ذبيح الله؟

اختلف بشأن الولد الذي أمر إبراهيم بذبحه، هل كان "إسماعيل أم إسحاق" الذي لقب بذبيح الله؟ فمجموعة تقول: إن "إسحاق" هو "ذبيح الله" فيما تعتبر مجموعة أخرى "إسماعيل" هو الذبيح، التفسير الأول أكد عليه الكثير من مفسري أهل السنة، فيما أكدوا أهل الشيعة على أن إسماعيل هو الذبيح.

وظاهر القرآن الكريم تؤكد على أن إسماعيل هو ذبيح الله.

البشارة بإسحاق:

ومن لطيف البيان القرآني شروع الآيات بذكر قصة ضيف إبراهيم "وهم الملائكة الذين جاؤوا بهيئة البشر وبشروه بولد جليل الشأن، ومن ثم أخبروه عن أمر عذاب قوم لوط" فتقول أولا: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ﴾.

وهؤلاء الضيوف هم الملائكة الذي دخلوا على إبراهيم (ع) بوجوه خالية من الإبتسامة، فابتدأوه بالسلام ﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا﴾.

فقام إبراهيم (ع) بوظيفته "إكرام الضيف"، فهيأ لهم طعاما ووضعه أمامهم، إلا أنهم لم يدنوا إليه، فاستغرب من موقف الضيوف الغرباء، فعبر عما جال في خاطره ﴿إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ﴾.

وكان مصدر خوف إبراهيم (ع) مما كان عليه متعارفا في مسألة رد الطعام أو عدم التقرب منه، فهو عندهم إشارة إلى وجود نية سوء أو علامة عداء.

ولكن الملائكة لم يتركوا إبراهيم في هذا الحال حتى: ﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾.

من هو المقصود الغلام العليم؟

يبدو من خلال متابعة الآيات القرآنية أن المقصود هو "إسحاق"، حيث نقرأ أن إمرأة إبراهيم كانت واقفة بقربه عندما بشرته الملائكة، ويظهر كذلك إنها كانت إمرأة عاقرا فبشروها أيضا([2]44).

وكما هو معروف فإن سارة، هي أم إسحاق، ولإبراهيم (ع) ولد آخر أكبر من إسحاق واسمه (إسماعيل) من "هاجر" – الأمة التي تزوجها إبراهيم.

كان إبراهيم يعلم جيدا إنه من المستبعد أن يحصل له ولد ضمن الموازين الطبيعية، "ومع أن كل شيء مقدورا لله عزوجل"، ولها أجابهم بصيغة التعجب: ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾.. هل البشارة منكم أم من الله عزوجل وبأمره، أجيبوني كي أزداد إطمئنانا؟

إن تعبير "مسني الكبر" إشارة إلى ما كان يجده من بياض في شعره وتجاعيد في وجهه وبقية آثار الكبر فيه.

ويمكن لأحد أن يشكل: بأن إبراهيم (ع) قد سبق بحالة مشابهة حينما ولد له إسماعيل (ع) وهو في الكبر.. فلم التعجب من تكرار ذلك؟

والجواب:

أولا: كان بين ولادة إسماعيل وإسحاق أكثر من عشر سنوات، وبذلك يكون تكرار الولادة مع مضي هذه المدة ضعيف الاحتمال.

وثانيا: إن حدوث ووقوع حالة مخالفة للموازين الطبيعية مدعاة للتعجب، وإذا ما تكررت فلا يمنع من التعجب لحدوثها وتكرارها مرة أخرى.

فولادة مولود جديد في هكذا سن أمر غير متوقع، وإذا ما وقع فهو غريب وعجيب في كل الأحوال.

يذكر البعض أن عمر إبراهيم (ع) عند ولادة إبنه إسماعيل كان (99) عاما، وعند ولادة إسحاق كان عمره (112) عاما.

وعلى أية حال.. لم يدع الملائكة مجالا لشك أو تعجب إبراهيم حيث ﴿قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ فهي بشارة من الله وبأمره، فهي حق مسلم به.

وتأكيدا للأمر ودفعا لأي إحتمال في غلبة اليأس على إبراهيم، قالت الملائكة: ﴿فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ﴾.

لكن إبراهيم (ع) طمأنهم بعدم دخول اليأس من رحمة الله إليه، وإنما هو في أمر تلك القدرة التي تجعل من إختراق النواميس الطبيعية أمر حاصل وبدون الخلل في الموازنة، ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾.

إن الضالين هم الذين لا يعرفون الله وقدرته المطلقة، الله الذي خلق الانسان ببناءه العجيب المحير من ذرة تراب ومن تطفة حقيرة ليخرجه ولدا سويا، الله الذي حول نخلة يابسة إلى حاملة للثمر بإذنه، الله الذي جعل النار بردا وسلاما.. هل من شك بأنه سبحانه قادر على كل شيء، بل وهل يصح ممن آمن به وعرفه حق معرفته أن ييأس من رحمته!؟!

إبراهيم يبني الكعبة:

نفهم بوضوح من خلال آيات الذكر الحكيم أن بيت الكعبة كان موجودا قبل إبراهيم، وكان قائما منذ زمن آدم. تتحدث سورة إبراهيم تقول: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾.

وهذه الآية تدل على أن بيت الكعبة كان له نوع من الوجود حين جاء إبراهيم مع زوجه وابنه الرضيع إلى مكة.

وفي سورة آل عمران: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾([3]47). ومن المؤكد أن عبادة الله وإقامة أماكن العبادة لم تبدأ في زمن إبراهيم، بل كانتا منذ أن خلق الإنسان على ظهر هذه الأرض.

هكذا يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

فابراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت التي كانت موجودة. وفي خطبة للإمام أمير المؤمنين علي (ع) في نهج البلاغة، وهي المسماة بالقاصعة، يقول: "ألا ترون أن الله سبحانه إختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار.. فجعلها بيته الحرام.. ثم أمر آدم (ع) وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه...".

القرائن القرآنية والروائية تؤيد أن الكعبة بنيت أولا بيد آدم، ثم انهدمت في طوفان نوح، ثم أعيد بناؤها على يد إبراهيم وإسماعيل.

الإمامة جزاء إبراهيم:

القرآن الكريم يشير إلى الإختبارات المتتالية التي إجتازها إبراهيم (ع) بنجاح، وتبين من خلالها مكانة إبراهيم وعظمته وشخصيته. ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾.

وبعد أن إجتاز هذه الإختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾.

وهنا تمنى إبراهيم (ع) أن يستمر خط الإمامة من بعده، وأن لا يبقى محصورا بشخصه ﴿قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾.

لكن الله أجابه: ﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.

وقد استجيب طلب إبراهيم (ع) في استمرار خط الإمامة في ذريته، لكن هذا المقام لا يناله إلا الطاهرون المعصومون من ذريته لا غيرهم.

وسائل اختبار إبراهيم:

من دراسة آيات القرآن الكريم بشأن إبراهيم (ع)، وما أداه هذا النبي العظيم من أعمال جسيمة استحق ثناء الله، نفهم أن المقصود من الكلمات هو مجموعة المسؤوليات والمهام الثقيلة الصعبة التي وضعها الله على عاتق إبراهيم (ع)، فحملها وأحسن حملها، وأدى ما عليه خير أداء، وهي عبارة عن:

أخذ ولده إلى المذبح والإستعداد التام لذبحه، وإطاعة لأمر الله سبحانه.

إسكان الزوج والولد في واد غير ذي زرع بمكة، حيث لم يسكت فيه إنسان.

النهوض بوجه عبدة الأصنام وتحطيم الأصنام، والوقوف ببطولة في تلك المحاكمة التاريخية، ثم إلقاؤه في وسط النيران. وثباته ورباطة جأشه في كل هذه المراحل.

الهجرة من أرض عبدة الأصنام والإبتعاد عن الوطن، والإتجاه نحو أصقاع نائية لأداء رسالته... وأمثالها.

كان كل واحد من هذه الإختبارات ثقيلا وصعبا حقا، لكنه بقوة إيمانه نجح فيها جميعا، وأثبت لياقته لمقام "الإمامة".

من هو الإمام؟

القرائن الواضحة تشير إلى أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم (ع) بعد الإمتحانات العسيرة، واجتياز مراحل اليقين والشجاعة والإستقامة، هي غير منزلة البشارة والإبلاغ والإنذار.

هذه الحقيقة يوضحها بإجمال حديث عميق المعنى روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) يقول: "إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما، فلما جمع له الأشياء، قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قال: لا يكون السفيه إمام التقي".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (ع) ( القسم الثاني )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة النبي إبراهيم عليه السلام
» القسم مرفوع ومستواه جيد جدآ
» اعضاء ممنوعين من الدخول الى القسم الاسلامي وهم
» رؤية إبراهيم عليه السلام بعث الموتى ......
» قصة النبي داوود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى همسة ابداع :: الاقسام العامة :: •»◦--◦ı[.. منتدى الاسلامي ..]ı◦--◦«•-
انتقل الى: