أبعاد أزمة إسرائيل مع الإدارة الأميركية

رام الله-الكوفية برس- وكالة وفا - جاء الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في حي رمات شلومو، بمثابة 'القشة التي قصمت ظهر البعير'، بالنسبة إلى حدود صبر الإدارة الأميركية تجاه السلوك الإسرائيلي المتعنت والمراوغ تجاه الرغبة والجهود الأميركية للعودة لمسار التفاوض على إقامة دولة فلسطينية.





وجاء الإعلان عن إلغاء زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل إلى إسرائيل أمس الثلاثاء، إلى حين التزام حكومة إسرائيل بالمطالب التي وضعتها كلنتون كبادرة لالتزام نتنياهو باستمرار العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، مؤكداً على وجود أزمة حقيقية في البيت الأبيض، أو رغبة من الولايات المتحدة لاستغلال الحادثة لممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل.





على خلفية الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أبلغت السفارة الأميركية في تل أبيب ديوان رئيس الدولة العبرية شمعون بيرس بأنه تم إلغاء زيارة ميتشل إلى إسرائيل، في حين أوضحت مصادر رسمية في واشنطن أن المبعوث الخاص لن يصل إلى إسرائيل حتى تقدم إسرائيل رداً رسمياً ايجابياً للمطالب الثلاث التي جاءت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والتي تتلخص فيما يلي: إلغاء قرار البناء في حي رمات شلومو، وتقديم بوادر حسن نوايا للفلسطينيين، والإعلان رسمياً أن جميع القضايا الجوهرية بما في ذلك مكانة القدس، ستطرح للتفاوض المرتقب.





وكانت الهجمة العلنية للإدارة الأميركية الأسبوع الماضي، قد أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلي بالصدمة، لاسيما وأن نتنياهو اعتبر الأزمة قد انتهت بعد اعتذاره وتشكيل لجنة تحقيق في الأحداث التي قادت إليها، والتي تمثلت في الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في حي رمات شلومو شمال مدينة القدس في حدود الرابع من حزيران 1967.





واعتبر ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الأزمة الحالية بين الإدارة الأميركية وإسرائيل هي أزمة مبرمجة ومفتعلة من قبل إدارة أوباما للضغط على إسرائيل، في حين جاء رد نتنياهو أكثر تصعيداً للأزمة عندما أعلن عن استمرار البناء في القدس كما كان منذ 42 عاماً.





ويبدو أن الأزمة الحالية أثارت استياء أوساط مختلفة في الولايات المتحدة، وكأنها مساس بكرامة الدولة الأولى في العالم، من قبل حليفة إستراتيجية، إلى درجة أوصلت توماس فريدمان، أحد أبرز الكتاب في العالم، والمحلل السياسي في نيويورك تايمز، للقول بأنه 'في القدس سائق مخمور'، أي أن الحكومة الإسرائيلية فقدت البوصلة، ولم تعد تدري ما الذي تفعله.





وانتقد فريدمان بشدة سياسة إسرائيل حول الإعلان عن إنشاء 1600 وحدة سكنية في حي رمات شلومو، والذي جاء أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، قائلاً 'كان على بايدن أن يغادر إسرائيل فوراً، ويترك رسالة مفادها: 'رسالة من أميركا إلى حكومة إسرائيل، هل تعتقدون أنكم تستطيعون إحراج حليفتكم الوحيدة بدون عواقب؟ لقد فقدتم صلتكم بالواقع'.





وفي أعقاب الأزمة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة الأحد الماضي، أن الإعلام ضخم من حجم الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن القيادة الإسرائيلية تعرف كيف تعالج مثل هذه الحالات وأنها ستفعل ذلك بمسئولية وهدوء أعصاب.





وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد أوصلت لنتنياهو رسالة واضحة مدعمة بموقف الرئيس الأميركي باراك أوباما، في مكالمة هاتفية استمرت حوالي 45 دقيقة، تقضي بضرورة وقف خطة البناء الاستيطاني في القدس الشرقية.





وفي نهاية الأسبوع الماضي وبعد مكالمته مع كلنتون، قام نتنياهو بالاتصال بالمستشارة الألمانية انجيلا ميركيل، ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، موضحاً أنها كانت 'حادثة محرجة'، وأنه اعترف بذلك وقدم اعتذاره أمام جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، ولكنه لم يعلم مسبقاً بالإعلان عن خطة البناء.





يقول يوئيل ماركوس في مقال لصحيفة هآرتس 'إذا كان نتنياهو لا يعرف حسب ادعائه، بأنهم ينوون بناء 1600 وحدة سكنية في القدس، فإنه لا يصلح لأن يكون رئيسا للوزراء، وإذا كان يعرف وسمح لإيلي يشاي بالكشف عن الخطة بالتحديد خلال زيارة جو بايدن، فإن هناك احتمالين أحدهما أسوأ من الآخر، إما أنها غبي، أو أنه يخشى من المتطرفين في حكومته، وفي كلتا الحالتين فهو يلعب بالنار'.





سلوك الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل أخذ منحى ينم عن أزمة موجهة ومبرمجة، وجاء كذلك تعبيراً عن عدم قدرة الإدارة لاحتمال سلوك إسرائيل تجاه الجهود الأمريكية لإحياء عملية السلام، حيث جاءت ردة الفعل الأميركية صارخة ومفاجئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.



وتمثل ذلك السلوك بالانتقادات اللاذعة التي وجهتها وزيرة الخارجية كلنتون لنتنياهو في محادثة هاتفية، تبعها عدة لقاءات أجرتها كلنتون في وسائل الإعلام الأميركية معربة عن استيائها من سلوك حكومة إسرائيل، إضافة إلى استدعاء سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، مايكل اورن لدعوة تأنيب لدى نائب وزيرة الخارجية جيم ستينبرج، وانتهاءً بإلغاء زيارة المبعوث الخاص جورج ميتشل.





ويضيف ماركوس، 'أن القضية لا تمس فقط ببايدن، الذي يعتبر الصديق الوحيد لإسرائيل اليوم في البيت الأبيض، وإنما مساساً بالمؤسسة الرئاسية، والتي لا يتسامح معها أي أميركي، مؤسسة الرئاسة هي وعاء الديمقراطية الأميركية'، لافتاً إلى أن نتنياهو لم يفهم أبعاد الضرر الذي يسببه للعلاقات بين الدولتين على أساس قضية الاستيطان، وهي المرة الأولى التي يتم الربط فيها بين المستوطنات ومستقبل العلاقة بين إسرائيل وأميركا.